JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

Accueil

نور على نور: فهم الهداية في ضوء القرآن

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة البشرية مليئة بالتحديات والاختبارات التي تواجه الإنسان في كل مراحل حياته، وما يميز المؤمن عن غيره هو مدى توفيقه من الله سبحانه وتعالى في تجاوز هذه التحديات بنجاح. فالتوفيق في الأعمال الصالحة، التي تشمل العبادات والذكر وكل ما يقرب الإنسان من ربه، هو نعمة عظيمة من الله يمنحها لمن شاء من عباده. وإن من أعظم ما يمنحه الله لعبده هو الهداية، التي هي في الحقيقة نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، فينير له طريقه ويهديه إلى الصراط المستقيم.



الهداية: نور من الله

الهداية ليست مجرد معرفة الحق من الباطل، بل هي نور يملأ القلب ويفتح العقل لفهم حكمة الله وشرائعه. هذا النور لا يمكن أن يناله أحد بجهده أو علمه أو سعيه مهما كان، بل هو منحة إلهية خالصة، فضلٌ من الله على عباده. قال الله تعالى في كتابه الكريم: "ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور."

ضرب المثل القرآني

لتوضيح طبيعة هذا النور الإلهي، ضرب الله لنا في القرآن الكريم مثلًا بديعًا. شبّه الله قلب المؤمن بالكُوَّة، وهي نافذة صغيرة في الجدار، غير مفتوحة تمامًا، تحتوي على مصباح. هذه الكُوَّة تمثل قلب المؤمن، وهذا القلب لا يضيء وحده، بل يحتاج إلى مصباح يملأه بالنور. ولكن المصباح لا يضيء بمفرده أيضًا، فهو يعتمد على زيت نقي يغذيه.

هذا الزيت هو الفطرة السليمة التي خلق الله عليها الإنسان، والمصباح يرمز إلى الآيات البينات التي أنزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. الفطرة هي النقاء الداخلي، الميل الطبيعي إلى الخير والحق، وهي في ذاتها تكاد تهدي الإنسان من غير دليل، كما يكاد الزيت الصافي يضيء من تلقاء نفسه حتى قبل أن تمسه النار.

ولكن، كما أن الزيت يحتاج إلى النار ليشتعل ويضيء المصباح، كذلك الفطرة تحتاج إلى الوحي ليكتمل نورها ويضيء قلب المؤمن. وعندما يجتمع نور الفطرة مع نور الآيات البينات في قلب المؤمن، يضيء القلب بنورين، نور الفطرة ونور الوحي. هذا النور المزدوج يجعل قلب المؤمن مشرقًا، مليئًا بالحكمة والطمأنينة والإيمان.

ضرورة التوفيق الإلهي

ولكن، لا سبيل إلى الوصول إلى هذا النور إلا بتوفيق الله وهدايته. فالله وحده هو من ينير قلوب عباده بنوره، ويهديهم إلى صراطه المستقيم. فلا علم ينفع، ولا جهد يُجدي، ما لم يكن مقرونًا بتوفيق الله. قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "والله لن يصلوا إلى شيء بغير الله، فكيف يوصل إلى الله بغير الله؟" هذه الحكمة العميقة تذكرنا بأن كل شيء يبدأ وينتهي بالله.

قيمة النور في حياة الإنسان

إن أهمية النور في حياة الإنسان لا يمكن التقليل منها. فهو الأساس الذي يبني عليه الإنسان علاقته بربه، وفهمه لحقيقة الحياة والغاية من وجوده. النور هو ما يهدي الإنسان في الظلمات، ويوجهه نحو الخير، ويبعده عن الشر. وإذا كان النور هو ما يهدي إلى الله، فإن طلبه لا يكون إلا من الله نفسه. قال تعالى: "الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء."

هذه الآية الكريمة تجسد لنا معنى النور الإلهي وكيف يضيء قلوب المؤمنين. الكُوَّة التي تمثل القلب هي مكان محمي ومحصن، والمصباح داخلها مشعّ بنورين: نور الفطرة ونور الوحي. هذا النور المزدوج يملأ قلب المؤمن بالحكمة والبصيرة، مما يساعده على مواجهة التحديات والصعاب في حياته.

مقارنة بين العلم الدنيوي والهداية الربانية

لعل أكبر دليل على أهمية الهداية الربانية هو أن العديد من الناس، رغم ما لديهم من علم دنيوي واسع وثروة وجاه، يظلون في ضلال لأنهم حُرموا من نور الله. كم من عالم مشهور، سواء كان في الشرق أو الغرب، لديه المعرفة الواسعة والمال الوفير، لكنه حُرم من نور الله، فلم يسجد لله يومًا، ولم يتذوق لذة الطاعة. حينها ندرك حقًا قول الله تعالى: "يهدي الله لنوره من يشاء."

الهداية ليست مسألة علم دنيوي أو اجتهاد بشري، بل هي فضل من الله وحده. هذا العالم الدنيوي، رغم أنه قد يصل إلى أعلى درجات المعرفة والنجاح المادي، فإنه يظل عاجزًا عن إدراك الحقيقة الأسمى إذا لم يهدِ الله قلبه. وهذا يدعونا للتأمل في الفضل العظيم للهداية، وكم هي نعمة لا تقدر بثمن.

الدعاء والتضرع لنيل الهداية

لهذا السبب، ينبغي على كل مسلم أن يلجأ إلى الله صباحًا ومساءً، يسأله الهداية إلى صراطه المستقيم، ويطلب منه أن ينير قلبه بنور الإيمان. الهداية ليست بالأمر الذي يُمكن للإنسان أن يحققه بمفرده، بل هي حاجة مستمرة للرحمة والتوفيق من الله. إن أعظم النعم التي يمكن أن يحصل عليها العبد هي أن يُنير الله قلبه بنوره، ويهديه إلى طريق الحق.

قال الله تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم."

الخاتمة: الاستكانة لله والسير في طريق الهداية

في نهاية المطاف، يجب على المؤمن أن يدرك أن كل شيء بيد الله، وأن الهداية والنور من عنده وحده. ولهذا، يجب أن يستكين العبد بين يدي الله، يطلب منه الهداية ويجتهد في السير على الصراط المستقيم، عسى أن ينير الله قلبه ويهديه إلى ما يحبه ويرضاه.

الحياة مليئة بالظلمات والفتن، ولكن النور الإلهي هو ما يهدي المؤمنين إلى بر الأمان. فليكن طلب الهداية والتضرع إلى الله ديدننا، ولنحرص على أن نملأ قلوبنا بنور الفطرة ونور الوحي، حتى نسير في طريق الله المستقيم، ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه.

NomE-mailMessage